لمحة تقنية: بصمة الإصبع (Fingerprint Recognition) هي أقدم تقنيات التعرف البيومتري استخدامًا في التطبيقات العملية. تقوم على مبدأ أن خطوط وأنماط الجلد على أطراف أصابع الإنسان فريدة لكل فرد – حتى التوائم المتطابقة لا تشترك بنفس البصمات. في البدء كانت البصمات تستعمل بحبر وورق ثم تطابق بصريًا من قبل خبراء الطب الشرعي. أما الأنظمة الإلكترونية الحديثة فتعتمد على ماسحات ضوئية تلتقط صورة دقيقة لبصمة الإصبع (سواء بطريقة ضوئية أو سعوية أو بالموجات فوق الصوتية)، ثم تستخرج منها نقاط السمات المميزة (Minutiae) مثل التقاطعات والنهايات في الخطوط. بعد ذلك يجري تخزين هذه النقاط كقالب رقمي مختصر. وعملية المطابقة ببساطة تقارن بين مجموعتي النقاط المسجلة والمدخلة وتحتسب نسبة التشابه. إن خوارزميات البصمة باتت متطورة وقادرة على التعامل مع تغيرات بسيطة في وضعية الإصبع أو ضغطه على المستشعر. كما أن بعض الأنظمة المتقدمة قادرة على اكتشاف البصمات الحية ومنع محاولات التزييف باستخدام بصمات مصنعة من مواد كالسيليكون، عبر تحليل خصائص جلد الإصبع الحقيقي (مثل التوصيل الكهربائي أو نمط تدفق الدم إن كان الماسح يعمل بتقنية كشف الأوردة).
تعتبر البصمة التقنية الأوسع انتشارًا والأكثر نضوجًا في مجال الأمن الحيوي. يعود ذلك لعدة أسباب: أولها أنها كانت أول ما تم اعتماده رسمياً في كثير من التطبيقات (كجوازات السفر وبطاقات الهوية وفتح الهواتف)، وبالتالي بنى الناس ثقة عالية بها. ثانيها انخفاض كلفة أجهزة قراءة البصمات وتوفرها بأشكال متنوعة؛ فهناك مستشعرات صغيرة جدًا يمكن وضعها في الهواتف وأجهزة USB، كما أن الكاميرات عالية الدقة سمحت بتطوير أجهزة مسح متعددة الأصابع وبأسعار مناسبة. من مزايا البصمة أيضاً السهولة والسرعة في الاستخدام – فعملية التسجيل الأولى تتطلب ثوانٍ قليلة لوضع الإصبع عدة مرات، وعملية التحقق بعد ذلك فورية تقريبًا. وفي البيئات التي تتطلب التحقق المتكرر (مثلاً تسجيل حضور الموظفين يوميًا)، تعتبر البصمة مريحة مقارنة بإدخال رموز أو حمل بطاقات. كذلك أثبتت البصمات اعتمادية عالية؛ إذ أن دقتها جيدة جدًا للمطابقة الفردية 1:1، ومقبولة لأغراض البحث في أعداد كبيرة أيضًا وإن كانت أقل كفاءة من القزحية في هذا الجانب التطبيقات الجنائية مثلاً استفادت من أن معدل الخطأ في البصمات منخفض وموثق تاريخيًا، مما جعل المحاكم تقبل البصمة كدليل منذ عقود.
على صعيد آخر، تتمتع البصمات بمرونة كبيرة في التكامل مع الأنظمة القائمة. فواجهاتها القياسية (مثل معايير ISO وANSI) متوفرة وتضمن أن أجهزة مختلف الشركات متوافقة إلى حد بعيد. كما أن حلول البصمة تأتي بطرز تلائم كل ظرف: قارئات مقاومة للماء والعمل الميداني، ماسحات ثابتة للمكاتب ونقاط العبور، أجهزة بصمة مدمجة في قارئات بطاقات الهوية وغيرها. هذه الوفرة مكنت من تبني البصمة في قطاعات متعددة: من الدوائر الحكومية (لتسجيل المواطنين والناخبين) إلى البنوك (لتوثيق العملاء عند الخدمات وتفعيل البطاقات) وحتى للاستخدامات المدنية كفتح الأقفال الإلكترونية للمنازل.
وبالنسبة للدقة، مع أن بصمة الإصبع تحمل معلومات أقل من القزحية لكنها تظل عالية الدقة عند المقارنة الفردية. في أفضل الأنظمة الحديثة تصل نسبة التطابق الخاطئ FAR إلى 0.001% أو أقل، خاصة عند استخدام أجهزة ذات أربعة أصابع أو بصمات متعددة، مما يجعل احتمالات الانتحال ضئيلة. إضافة لذلك فإن الجمع بين عدة أصابع في التحقق يزيد الضمان (مثلاً تطلب بعض الأنظمة وضع إصبعين أو ثلاثة دفعة واحدة على الماسح لضمان أن الشخص حي وصاحب البصمات جميعًا).
هناك حالات تكون فيها بصمة الإصبع أقل مناسبة أو تواجه صعوبات. أحدها الحالات الفيزيولوجية كأن يكون جلد الأصابع متآكلاً أو متشققا لدى فئة العمال مثلاً، مما يصعّب على الماسح التقاط النمط الكامل . أيضًا إصابة الإصبع أو وجود جروح قد تمنع القراءة. في ظروف الرطوبة أو الاتساخ، يمكن أن تعاني المستشعرات؛ فالإصبع شديد الجفاف أو شديد الرطوبة يعطي بصمة رديئة . كما أن ارتداء القفازات يجعل أخذ البصمة مستحيلاً بدون نزعها – لذا في بيئات طبية أو مختبرية حيث يرتدي الناس قفازات باستمرار، قد لا تكون البصمة خيارًا عمليًا هناك تحدٍ آخر هو الأمان ضد التزوير: فالخوف قائم من إمكانية نسخ بصمة شخص واستخدام قالب اصطناعي لخداع القارئ. وقد حصلت بالفعل حالات اختراق حيث طبع الباحثون بصمات على وسائط هلامية واستطاعوا الدخول لبعض الأجهزة. لكن كما ذكرنا، تطورت الحلول المضادة (Anti-spoofing) مثل تحليل النبض أو التوصيلية، إلا أنها ليست موجودة في كل الأجهزة، خصوصًا الرخيصة منها. لذا فإن تطبيقات الأمن العالي تتطلب استخدام أجهزة بصمة احترافية ذات شهادات (كشهادة FBI مثلاً) لضمان احتوائها على وسائل كشف التزييف.
جانب آخر يتعلق بالسعة والتعرف 1:N: عند البحث عن بصمة مجهولة ضمن قاعدة بيانات ضخمة (مثلاً ملايين السكان) فإن العملية قد تتطلب وقتًا أطول أو ترجيح عدة مطابقات محتملة مما يستدعي التدخل البشري. فالبصمة قد تعطي أحيانًا قائمة “مرشحين” متشابهين إذا كانت جودة البصمة منخفضة أو قاعدة البيانات ضخمة وتضم أنماطًا متقاربة. ولهذا السبب، ذكرت دراسة أن أنظمة البصمة للبحث الموسع تحتاج أحيانًا لتقنيات فلترة مبدئية لتسريع العملية وهذا ما لا تحتاجه القزحية بالقدر نفسه نظراً لصغر حجم قالبها وارتفاع تميُّزها. بالطبع مع تطور الحوسبة السحابية وخوارزميات الفهرسة، أصبح البحث في مئات الملايين من البصمات ممكنًا خلال ثوانٍ، لكنه يظل عبئًا حسابيًا أكبر من مثيله في القزحية.
تُستخدم البصمات حاليًا في طيف واسع جدًا من التطبيقات نذكر بعضها:
لم يتوقف التطور في هذا المجال على الطرق التقليدية. هناك توجّه الآن نحو المسح اللاتلامسي للبصمات، بحيث يمكن التقاط بصمات الأصابع عن بعد دون الحاجة للمس سطح زجاجي. شركة DERMALOG JENETRIC مثلًا طوّرت مفهوم 3D4F لأخذ أربع بصمات دفعة واحدة بشكل غير تلامسي باستخدام كاميرا عالية السرعة وتقنية ضوء منظم هذه التقنية تزيل مشكلة الاتساخ والبقايا على الأسطح وتجعل العملية أكثر قبولًا صحيًا. وقد عُرضت كنموذج أولي يشير إلى أن المستقبل قد يشهد أجهزة ماسح هوائي للبصمات في المطارات مثلًا حيث يضع الشخص يديه في صندوق إضاءة لبضع ثوانٍ فتنُتزع بصماته العشر دون أن يلمس شيئًا. أيضًا ظهر اتجاه نحو دمج البصمة في الشاشات – كهاتف ذكي شاشته بالكامل قارئ بصمة (سامسونج مثلاً لديها براءة اختراع لشاشة يمكنها التقاط بصمة أي إصبع في أي مكان منها). ومن التحسينات الأخرى، إضافة طبقات حماية واستشعار في الماسحات لجعل التزوير أصعب، مثل قراءة بصمة الإصبع مع بصمة الوريد في نفس الوقت لإضافة مستوى آخر من التحقق.
بصمة الإصبع تقنية موثوقة ومجربة، حققت توازنًا ممتازًا بين الأمن والكلفة وسهولة الاستخدام على مدى عقود. ورغم ظهور تقنيات منافسة تبرز في بعض الجوانب، تظل البصمة خيارًا أساسيًا لا يمكن الاستغناء عنه في العديد من الأنظمة. بل إن الخبراء يرون التكامل بين التقنيات الثلاث هو الطريق الأمثل: فلكل منها نقاط قوة (دقة القزحية، سرعة الوجه، وسِجِل البصمة الطويل) تكمل الأخرى. لذا فإن حلول ابتكار وأكثر وغيرها غالبًا ما توفر منظومة متعددة البصمات تتيح التحصّل على أقصى مستوى أمان عبر التحقق بأكثر من عامل حيوي عند الحاجة.